• الاتفاقية الدولية وقانون الدولي لمكافحة الارهاب

   الاتفاقيات الدولية لمكافحة الارهاب   نظرا لتعاظم ظاهرة الارهاب التي اجتاحت اوربا في بداية السبعينات أُبرمت هذه الاتفاقية في 10نوف...

   الاتفاقيات الدولية لمكافحة الارهاب 

نظرا لتعاظم ظاهرة الارهاب التي اجتاحت اوربا في بداية السبعينات أُبرمت هذه الاتفاقية في 10نوفمبر 1976ولم تطبق الا في اب 1978. اهتمت بمعالجة وقمع الارهاب السياسي الدولي، وتضمنت الاعتداءات على الحقوق والحريات الاساسية للاشخاص في دولة ما ولجوء مرتكبيها الى دولة اخرى بهدف التخلص من المحاكمة والعقاب. ولم تتطرق الى تعريف الارهاب بل اكتفت بذكر ستة افعال اعتبرتها جرائم ارهابية وهي:
 خطف الطائرات.
 الاعمال غير المشروعة الموجهة الى سلامة الطيران المدني.
 الاعمال الموجهة ضد ذوي الحماية الخاصة والدبلوماسية.
 استعمال القنابل والديناميت والقذائف والصواريخ والوسائل المفخخة التي تهدد الانسان.
 اخذ الرهائن والخطف والاحتجاز غير المشروع للافراد والجرائم الخطيرة التي تتضمن الاعتداء على الحياة والسلامة الجسدية والحرية.
 الشروع او الاشتراك في اي من الجرائم السابقة.
علما ان من هذه الاعمال ما جُرّم بأتفاقيات دولية كأتفاقية لاهاي عام 1975 واتفاقية مونتريال 1971 واتفاقية نيويورك 973. ولتحقيق النتائج والاهداف المتوخاة من الاتفاقية المذكورة اكدت على مبدء تسليم مرتكبي الجرائم ولم تعط اطرافها حرية الاختيار بين التسليم والمحاكمة بل اعطت الاولوية للتسليم. وفضلت محاكمة مرتكب الفعل الارهابي امام قضاء الدولة التي وقع الفعل على اراضيها (مخيمر،المصدر السابق).
• اتفاقية واشنطن عام 1971 لمنع وقمع الارهاب:
عُقدت هذه الاتفاقية تحت رعاية منظمة الدول الامريكية بعد تزايد الاعمال الارهابية في امريكا اللاتينية مما دعا الدول المذكورة الى التصدي لها وكان لابد من تحديد لهذه الاعمال كي تتمكن الدول من مكافحتها. وهذا ما تضمنته المادة الاولى بان الاعمال الارهابية تشمل جرائم الخطف والقتل المرتكبة ضد اشخاص تلتزم الدولة بحمايتهم حماية خاصة يقررها القانون الدولي وكذلك الاعتداءات على حياة وسلامة هؤلاء الاشخاص وافعال الابتزاز المرتبطة بالجرائم سالفة الذكر(نفس المصدر). ومما يلاحظ على الاتفاقية انها حصرت نطاق تطبيقها باعمال الابتزاز ذات الطبيعة الدولية والموجهة ضد الاشخاص الذين يتمتعون بحماية وفقا لقواعد القانون الدولي.
• الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب عام 1998:
أُقرت بالاجتماع المشترك لمجلسي وزراء العدل والداخلية العرب الذي عقد في القاهرة بتاريخ22/4/1998. ودخلت حيز التنفيذ اعتبارا من7/5/1999 كون المادة 40 منها اشترطت لسريان الاتفاقية (ثلاثين يوما من تاريخ ايداع وثائق التصديق عليها، او قبولها او اقرارها من سبع دول عربية). ومما جاء في الديباجة هو التأكيد على ضرورة الفصل بين الاسلام والارهاب. وعلى حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال وبكافة الوسائل بما فيها الكفاح المسلح.
لم تغفل الاتفاقية تعريف الارهاب فنصت المادة الاولى على انه (كل فعل من افعال العنف او التهديد به ايا كانت بواعثه او اغراضه، يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي او جماعي، يهدف الى القاء الرعب بين الناس، او ترويعهم بأيذائهم او تعريض حياتهم او حريتهم او امنهم للخطر، او الحاق الضرر بالبيئة او بأحدى المرافق او الاملاك العامة او الخاصة، او احتلالها او الاستيلاء عليها، او تعريض احد الموارد الوطنية للخطر).
اضافة لذلك عرفت المادة المذكورة الاعمال الارهابية (هي اي جريمة او شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض ارهابي في اي من الدول المتعاقدة، او على رعاياها او ممتلكاتها او مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الارهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات التالية عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة او التي لم تصادق عليها:
أ‌- اتفاقية طوكيو والخاصة بالجرائم والافعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة بتاريخ 14/9/1963م.
ب‌- اتفاقية لاهاي بشأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ 16/12/1970 م
ت‌- اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الاعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني والموقعة في 23/9/1971 والبروتوكول الملحق بها والموقع في مونتريال 10/5/1984.
ث‌- اتفاقية نيويورك الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الاشخاص المشمولين بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوماسيون والموقعة في 14/12/1973.
ج‌- اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن والموقعة في 17/121979 م.
ح‌- اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لسنة 1983، ما تعلق منها بالقرصنة البحرية).
اهم ما جاء في الاتفاقية العربية انها استثنت في المادة الثانية من الاعمال الارهابية الكفاح بمختلف الوسائل لتحرير الارض وتقرير المصير، اضافة الى عدم اعتبار الاعمال الارهابية من الجرائم السياسية حتى وان كان الدافع على ارتكابها سياسيا.
بالرغم من اعتبار الجانب الرسمي العربي هذه الاتفاقية انجازا على طريق مكافحة الارهاب اوالحد من الظاهرة. اعتبرتها مؤسسات المجتمع المدني تمس حرية التعبير وتوسع من صلاحيات السلطات التنفيذية. اضافة الى كونها تضيق من فرص اللجوء السياسي لما تحتويه من تعريف واسع للارهاب قد يطال جهات لا علاقة لها به (شعبان،المصدر السابق).
ما يؤاخذ على الاتفاقية العربية ايضا هو الاختلاف الذي قد يحصل بين اطرافها في تكييف العمل الجرمي وما اذا كان ارهابيا ام لا وربط ذلك بتشريعات الدول الاطراف فيها. فاذا كانت قوانين دولة (أ) تعاقب على عمل ما باعتباره جريمة سياسية لا ارهابا لايجوز فيها تسليم مرتكبيها. واذا كان نفس العمل تعاقب عليه قوانين دولة (ب) على اعتبار انه عمل ارهابي يجوز فيه تسليم الفاعل. هنا نكون امام تكييفين لعمل واحد فهو جريمة سياسية حسب قانون دولة (أ)، وهو عمل ارهابي حسب قانون (ب) وما ينعكس عن هذا الاختلاف من اختلاف في النتائج.
كما ان التوسع في التعريف يؤدي الى تعدد في التأويلات وسعة غير مرغوبة في التفسيرات مما يطلق يد السلطة التنفيذية ويجعلها اكثرحرية في ادخال بعض الاعمال التي تدخل في المجال المدني في عداد جرائم الارهاب. ويكون الامر اكثر خطورة لعدم وجود حدود فاصلة بشكل واضح على المستوى الرسمي العربي بين جرائم الرأي والجرائم الارهابية، مثل ممارسة حق التعبير والتظاهر السلمي الذي لايزال ممنوعا في بعض الدول العربية. ومما يزيد الامر خطورة عدم وجود تعريف للارهاب متفق عليه دوليا كي يحد من حرية الدولة في وصف اعمال مدنية على انها ارهابية.
اثارة الاتفاقية العربية مخاوف دعاة حقوق الانسان لانها حددت التدابير لاعتقال المتهمين ولم تنص على الضمانات الخاصة بالمحاكمة العادلة، ومنها ابلاغ المتهم بأسباب توقيفه او اعتقاله وتوجيه التهمة اليه فورا. علاوة على ذلك لم تنص الاتفاقية على منع التعذيب والمعاملة اللاانسانية للمتهم. يبقى السؤال الذي يوجه الى النظام الرسمي العربي اذا كانت الاتفاقية قد ادانت كل اعمال العنف او التهديد به مهما كانت دوافعه فهل يجري هذا على الاجهزة الامنية ؟(عتيقه،الاتفاقية العربية،انترنت).

قانون الدولي لمكافحة الارهاب

الاسس القانونية لتحديد مفهوم الارهاب
رغم الجهود الفقهية والاقليمية والدولية المبذولة لتعريف الارهاب فلم تفلح الا عن الكشف عن حقيقة مفادها ان هناك مشكلة في التعريف. اسباب المشكلة تعود اما الى العنف بأعتباره وسيلة الارهاب، اذ يعتبر البعض ان العنف هو وسيلة ارهابية ويقع تحت طائلة الجزاء القانوني. فيما يرى اخرون ان هناك عنف مشروع واخر غير مشروع، والاخيرفقط وسيلة الارهاب المعاقب عليه. ومن اسباب مشكلة التعريف التركيز على ارهاب الافراد والجماعات واستثناء ارهاب الدولة.هذه الاسباب وغيرها تدور حول محور واحد هو المصالح الدولية التي تقف حائلا دون الوصول الى تعريف موحد متفق عليه دوليا.
دوام التباين في المصالح يعني استمرار مشكلة التعريف مما لايترتب عليه دوام واستمرار الارهاب فحسب انما زيادته بل وتحوله الى ظاهرة معقدة سياسيا وامنيا واجتماعيا وبالتالي صعوبة تحديد الاسس لمكافحته. فالكل يعرّف الاعمال الارهابية ويحدد سبل مكافحتها ولكن حسب مصالحه هو لا مصلحة المجتمع الدولي. مما ادى الى تفاقم المشكلة وجعل العالم يعيش اجواء حرب لاتقل خطورتها عن اجواء الحرب النووية التي كانت قاب قوسين او ادنى بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة عام 1962 نتيجة نصب الاول الصواريخ في كوبا. واذا كان السلاح النووي في الاتحاد السوفيتي يمثل قوة الردع النووي في ذلك الوقت الامر الذي دعى الطرفين الى التفكير مليا قبل الدخول في حرب تمثل انتحارا لكل منهما مما ادى الى دخول الحرب الباردة مرحلتها الثانية.
اما اليوم فقد اختفت القوة الرادعة واصبح العالم هرم تعلو قمته قوة واحدة هي الولايات المتحدة فهي سيدة العالم وهي الآمرة والناهية فيه دون منازع. فاذا اضفنا الى ذلك ان هيبة القطب الاوحد العسكرية والاقتصادية قد اهتزت وجرح كبريائها في احداث 11 سبتمر، مما دعاها الى شن حرب لاهوادة فيها ضد الارهاب مستخدمة القوة بكل اشكالها دونما اعتبار لسيادة الدول او حقوق الانسان فيها، حرب اقل مايقال عنها انها ابشع من الارهاب نفسه. فأقامت السجون السرية واستعملت وسائل لاخذ الاعترافات قال عنها الرئيس الامريكي في 6 /9 /2006 ان وزارة العدل الامريكية قد اقرتها، وهذا يعني ان القانون والعدالة الامريكية هي التي يجب ان تسود العالم. ورغم طول المدة وشراسة الحرب ضد الارهاب التي تديرها امريكا فلم يؤد ذلك الا الى زيادة الاعمال الارهابية وتنامي الكراهية ضد الولايات المتحدة الامر الذي يثبت فشل المشروع الامريكي في القضاء على الارهاب.
فالقوة وحدها إذن لاتكفي للقضاء على ظاهرة الارهاب دون الوقوف على حقيقة مفهومه ومعرفة اسبابه بتحديد عناصره حتى يتم الفصل بينه وبين ما يشابهه من مفاهيم اخرى مثل الجريمة المنظمة من جهة. ومن جهة اخرى حتى لايتم الخلط بينه وبين غيره مما هو حق للشعوب مشروعٌ ممارسته كالمقاومة. من هنا يتضح ان ضرورة تحديد المرتكزات القانونية لمفهوم الارهاب والتوصل الى تعريف له هي التي تحدد الموقف القانوني من العمل فيما اذا كان عملا ارهابيا ام لا، وبالتالي تحد من حرية الدول في استعمال الوسائل اللازمة لمكافحته. لذلك اقتضت الاشارة الى هذه المرتكزات كما ذكرها بعض المتخصصين:
ذكر (ولكنسن) عناصر الارهاب على النحو التالي:
1. القيام بالاعمال الارهابية بشكل منظم.
2. اشاعة الرعب وعدم الامان.
3. العشوائية في اختيار الاهداف المدنية مما ينتج عنها انتشار حالة الخوف لدى الاخرين.
4. استخدام الوسائل الوحشية لاحداث الاضرار كالسيارات المفخخة والقنابل.
5. الارهاب اكثر تعبيرا من العنف فهو يستهدف الجمهور لتحقيق اهدافه.
6. الاعمال الارهابية مخطط لها(العموش،مستقبل الارهاب،2006).
اما (اندريه كون) فيذكر عشرة عناصر للارهاب:
1. ممارسة العنف بوسائل استثنائية فالظاهرة هي استراتيجية هجومية يعتمدها فرد او مجموعة من الاشخاص او حكومة.
2. يجب ان يمارس العنف بشكل منظم ومتواصل.
3. يكون ممارسة القوة غير شرعي حسب القانونين الداخلي والخارجي.
4. ان يكون العنف موجه ضد الاشخاص والممتلكات بشكل اعتباطي.
5. هدف العنف هو التخويف او الضغط للقيام بعمل او الامتناع عن القيام به ويتوجب لتحقيق ذلك ان يمارس العنف بصفة منظمة.
6. القصد من التخويف هو الحكومة او الجمهور في منطقة محددة.
7. يهدف التخويف الى ارباك الحكومة او الجمهور.
8. الهدف النهائي سياسي لاحداث تغيير سياسي او ديني او اجتماعي او ايديولوجي عن طريق تغيير وجهة نظرالرأي العام تجاه العدو.
9. الاعلام وسيلة العنف في سبيل الوصول الى اهدافه.
10. يترتب على هذه العناصر ان اي فعل ارهابي يمكن ان يكون فعلا بطوليا يمثل المقاومة من اجل التحرر(يعقوب،الجريمة الارهابية،دراسة).
مماذكر من عناصر للارهاب ومن تعريفاته يتضح ان العنف هو المحورالاساسي للعمل الارهابي، على ان ماذكره (اندريه كون) من بعض العناصر هي في حقيقتها شروطا ينبغي توافرها في عنصر العنف وليست عناصرا للارهاب، كأن يكون العنف منظما. التنظيم والمنهجية هنا شرط ينبغي توافره في العنف اذ قد يحدث العنف ولايكون منظما. سيما وانه فرّق بين العنف والارهاب ولم يعتبرهما مفهوما واحدا. كذلك فعل بالنسبة الى عنصر الهدف حين قسمه الى هدف مؤقت هو ارباك الحكومة وهدف دائم هو احداث تغيير سياسي او ديني.
ومن خلال العناصر المذكورة اعلاه نستطيع القول ان الاسس التي يقوم عليها الارهاب هي التالي:
1. استعمال العنف اللامشروع والمنظم ضد الابرياء باعتباره هدف قريب لتحقيق هدف نهائي سياسيا كان او غير سياسي.
2. الدوافع على القيام بالاعمال الارهابية.
3. المصادر الفعلية للارهاب. فالعمل الارهابي قد يحصل من فرد او جماعة تعلن عن اهدافها عن طريق الرعب الناجم عن استخدام العنف فيؤدي ذلك الى ان تقوم الدولة بردود افعال انتقامية عنيفة وما يترتب على ذلك النيل من حقوق الانسان والخروج عن القانون بغية القضاء على هذه الجماعة. بعبارة اخرى هناك مصدران للارهاب: الافراد او الجماعات ويسمى بالارهاب المؤسسي، والمصدر الثاني هو الدولة او ما يطلق عليه الارهاب الرسمي.
المطلب الاول

العنف اللامشروع والمنظم ضد الابرياء


لاشك ان الخلاف الحاصل حول تعريف الارهاب من اطلاق للمصطلح كما يريد الطرف الاقوى اوتقييده كما يذهب الى ذلك الطرف الاضعف سينعكس على عناصر الارهاب ومنها العنف الذي يعتبر المحور الاساسي للعمل الارهابي، فغالبا لا يوجد ارهاب بدون العنف وبه يعتبر جريمة وفق القانون. ويشترط في العنف اي يكون منظما اي يمارس بشكل متواصل بحيث تؤدي الممارسة المتواصلة الى خلق حالة من الرعب. اما حالة العشوائية فهي مقصودة كي تولد احساسا وشعورا لدى الجميع بأن ايا منهم سوف يكون الضحية القادمة.
عندما نتكلم عن العنف نقصد به الاداة التي يستخدمها الارهاب لبث الرعب في النفوس وهو الهدف المرحلي وغير المقصود لذاته وصولا الى الهدف النهائي الذي هوالهدف السياسي. وهنا يجب التمييز بين العنف المشروع اي استخدام القوة في موضعها، اي الاستخدام القانوني للقوة وان لاتحل محل الحوار كلما كان ذلك ممكنا. والعنف اللامشروع ويعني استخدام القوة في غير موضعها. كما لو استخدمت القوة في الوقت الذي يمكن فيه استخدام الحوار. لان القوة والحوار يتناسبان تناسبا عكسيا متى استعمل احدهما ادى الى انتفاء استخدام الآخر.
هناك محاولات تهدف الى ألغاء الفواصل بين المشروع واللامشروع من العنف فساوت بين المقاومة والارهاب. هذا الخلط سيؤدي الى نتائج كارثية للشعوب كالمساواة بين الحوادث التي تتم في العراق ويكون هدفها المدنيين الابرياء. كما حدث في النجف وكربلاء وسامراء ومايحصل يوميا من قتل وتهجير لآلاف العوائل من بيوتهم والقتل على الهوية وبين مايجري في فلسطين المحتلة من مقاومة للاحتلال. المساواة بين من يفجر نفسه بين المدنيين الابرياء الذين يقفون على امل الحصول على عمل وبين العمليات التي تتم دفاعا عن الشعب والارض المغتصبة كتلك التي تتم في فلسطين المحتلة او في لبنان ووضعها في سلة واحدة هو في الحقيقة اعتداء على المقاومة والنيل من مكانتها.
الاصل ان العنف مرفوض ولم تقره القوانين الوطنية والدولية الا استثناء. فاذا ما تعرض شخص لعنف ما سواء وقع على حياته ام ممتلكاته او غير ذلك من قبل شخص اخر لم يمتهن الاجرام فيكون الفعل في هذه الحالة جريمة جنائيه بسيطة وان اشتملت على العنف ويحدد لها القانون العقوبة التي تتناسب مع الفعل المرتكب، ويكون القضاء هو المرجع للحكم بالعقوبة التي ينص عليها القانون. دون ان يترك للشخص حرية الاخذ بحقه خارج دائرة القضاء لما يسببه ذلك من فوضى تعم المجتمع بأسره. وخروجا على هذا الاصل يستطيع الشخص في بعض الاحيان ووفق ضوابط معينه ان يرد العنف بعنف مضاد دفاعا عن نفسه اوعرضه او ممتلكاته ويعتبر من وقع عليه الفعل في حالة الدفاع المشروع وهو اولى اشكال العنف المشروع الذي يتعلق بحياة الفرد داخل المجتمع.
اما عندما يتعرض شعب او جماعة ما لعنف يستهدف وجودها واستقلالها وسيادتها وقيمها. فالعنف المضاد الذي تستخدمه الشعوب هو حق ضمنته الشرائع السماوية كالدين الاسلامي حيث جاء في القران الكريم (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا). فضلا عن الشرائع الوضعية كميثاق الامم المتحدة الذي اباح الدفاع عن النفس كحق مشروع. وليس كل استخدام للعنف بقصد التحرير يعد مشروعا، فيعتبر كذلك اذا كان موجها ضد الاهداف العسكرية للمحتل وان اصابت بعض المدنيين عن طريق الخطأ(عوض،تعريف الارهاب،المصدر السابق) . اما استعمال العنف ضد المدنيين الابرياء كما يحصل الآن في العراق ايا كانت دوافعه فيعتبر عملا ارهابيا طبقا لاتفاقية جنيف عام 1949.
وكما يمارس العنف بنوعيه من قبل الافراد والجماعات يمارس كذلك من قبل الدولة. فيكون مشروعا اذا مارسته الاجهزة الامنية في سبيل تحقيق الاهداف التي يقررها الدستور على ان يكون ذلك وفق الضوابط التي يرسمها القانون. مثاله ملاحقة الخارجين على القانون او حماية النظام السياسي المختار من الشعب. اما العنف غير المشروع فيتم بتوظيف الاجهزة الامنية لحماية الطبقة الحاكمة والتي من المفترض ان تكون مهمتها الاساسية هي المحافظة على امن الشعب والدولة كشخصية مستقلة عن السلطة الحاكمة لا ان تجسد شخصية الدولة بشخصية الحاكم فتدور معها وجودا وعدما. بمعنى اخر ان الدولة لاتملك الحق في ممارسة العنف المطلق كما يذهب الى ذلك البعض من ان الدولة تمتلك حق احتكار العنف ولايمكن القول ان العنف الذي تمارسه الدولة مشروعا لمجرد امتلاكها القوة والقانون الذي يقنن استعمال القوة، فمتى تجاوز العنف ضبط المجتمع وتنظيمه انقلب الى عنف غير مشروع. وكما ان الدولة اذا قصّرت في توفير الامن لمواطنيها تصبح عاجزة عن القيام بواجباتها وبالتالي تفقد الثقة الممنوحة لها من قبل الشعب كذلك استعمالها للعنف غير المشروع كوسيلة للاستبداد يفقدها ثقة الشعب. ومنحه الثقة الى المقاومة التي يكون مطلوبا منها بل وواجبا عليها استعمال القوة تخلصا من الاستبداد طالما استمد شرعية استخدام القوة من الشعب.
بعد ما تقدم نعرض الى تعريف العنف وبعض النظريات التي تناولت اسبابه:
العنف لغة:
العنف ضد الرفق، وعنفوان الشئ اوله، وهو في عنفوان شبابه اي قوته، وعنفه تعنيفا اي لامه وعتب عليه. وجاء في الحديث الشريف (ان الله يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه)(محفوظ،النبأ،2005).
وورد في لسان العرب بانه (الخرق بالامر وقلة الرفق به وهو ضد الرفق)(لسان العرب). وذكر فخر الدين الطريحي في مجمع البحرين العنف بانه (الشدة والمشقه، ضد الرفق).
اما اصطلاحا فهو (كل قوة بدنية يمكن ان تحدث اضرارا نفسية او عقلية او اجتماعية كالاضرار بسمعة الشخص او النيل من مكانته الاجتماعية) وعلى اساس ذلك تم تصنيف الجرائم العنفية ب (الحاق الاذى بالآخرين وبأموالهم وممتلكاتهم عن طريق استخدام القوة كجرائم السلب والسرقة بالاكراه والقتل والاغتصاب والارهاب وخطف الطائرات وحجز الرهائن والاغتيال والشغب المدمر والتخريب والحرائق المتعمدة وجرائم العصابات المنظمة فكلها تدخل في عداد جرائم العنف)(ابوشامة،الرياض،2003).
وعرفه اخرون بأنه (الافعال التي تقترن بأعتداء على الانسان او ممتلكاته لغايات متعددة منها الحصول على المال او الانتقام او تحقيق اغراض سياسية)(نفس المصدر).
وأورد الدكتور عبد الله عبد الغني عدة تعريفات للعنف منها:
1. ربطت (الزا شستر) بين العنف والعدوان وعرفته (العدوان هو السلوك الذي يعكس الصراع الاجتماعي الذي يهدف الى الحاق الاذى الفيزيقي او النفسي او الاجتماعي).
2. واعتبر (ج. لافو) ان العنف هو الحاق الاذى بالآخرين وخيراتهم – افرادا او جماعات – بقصد السيطرة عليهم بواسطة الموت او التدمير والاخضاع والهزيمة).
3. وانطلق (ر.ريمون) في تعريفه للعنف من مجال حقوق الانسان فقال ان العنف (كل مبادرة تتدخل بصورة خطرة في حرية الآخر وتحاول ان تحرمه حرية التفكير والاختيار). ومن نفس المنطلق عرّف (أ. بيرو) العنف (كلما لجأ شخص او جماعة الى وسائل ضغط بقصد ارغام الآخرين ماديا على اتخاذ مواقف لايريدونها او على القيام بأعمال ما كانوا ليقوموا بها لولا وسائل الضغط هذه).
4. اما (شارل بودوان) فالاصل عنده هو الحوار والعنف غلق لهذا الباب فقال (ان الفكر الذي يزن الفعل ويقدره ويقيسه من البديهي انه نقيض العنف. بل وهو علاج للعنف ايضا فالفكر يتيح لارادتين متنافستين التداخل والتواجه والتفاهم ومن ثم اضعاف عملية العنف). يؤيده في ذلك (اجارفور) حيث يقول (ان كان الحوار هو السعي للتحكيم والايمان به، فإن العنف هو عكس ذلك اذ يبدء برفض التحكيم – اي برفض كل تدخل محتمل. فهو تسلط ارادة على اخرى).
5. وعرف البعض الآخر العنف بضده وهو اللاعنف كما ذهب الى ذلك (جاك سيمولان) الذي عرف العنف بالاشارة الى اللاعنف وعرف الاخير بانه فعل من اجل امكانية مواجهة العنف، فاللاعنف في رأيه هو ممارسة الفعل غير العنيف ضد العنف، كما يرى ان العنف والتاريخ هما المحرك الاساسي في التاريخ الانساني باعتبارهما اداتان للسيطرة على الآخر ومن اجل هذه السيطرة لابد من امكانيات لاتتوفر للضعفاء. وفي هذه الحالة لابد لهم من وسيلة اخرى للدفاع عن انفسهم، ووسيلتهم في ذلك اللاعنف فهو مصدر قوتهم(غانم،جرائم العنف،2004).
والتعريف الاخير لايتماشى مع الواقع دائما بجعله العنف وسيلة للاقوياء لتوفر الامكانيات لديهم والاستسلام وسيلة الضعفاء لعدم توفر مثل هذه الامكانيات ولو قابل بين العنف المشروع واللامشروع لكان ذلك اوفق.
ويرى اخرون العنف (سلوك مشوب بالقسوة والعدوان والقهر والاكراه، وهو سلوك بعيد عن التحضر والتمدن وتحركه الدوافع العدوانية والطاقات الجسمية وينصب على الاشخاص وممتلكاتهم لقهرهم). ويراه البعض بأنه (سلوك يتبناه الانسان ضد المخاطر التي يجابهها من اجل البقاء على الحياة وهو احد الطاقات الغريزية الكامنة عند الانسان التي تنشط وتستيقظ في حالات دفاعية وهجومية)(د.هلال،دراسة اجتماعية،المجلة العربية).
فيما عرفت الموسوعة الفلسفية العربية العنف ( فعل يعمد فاعله الى اغتصاب شخصية الآخر، وذلك بأقتحامها الى عمق كيانها الوجودي وارغامها في افعالها وفي مصيرها منتزعا حقوقها او ممتلكاتها او الاثنين معا). وورد تعريفه في معجم العلوم الاجتماعية انه ( استخدام الضغط او القوة استخداما غير مشروع وغير مطابق للقانون من شأنه التأثير في ارادة فرد ما). والعنف في قاوس اكسفورد (ممارسة القوة البدنية لانزال الاذى – الضرر- بالاشخاص او الممتلكات كما يعبر الفعل او المعاملة التي تتصف بهذا، وانه العرف او المعاملة التي تميل الى احداث الضرر الجسماني او التدخل في الحرية الشخصية)(اليوسف،الرياض،2006).
يتضح من التعريفات اعلاه مايلي:
1. بعض التعريفات ضّيق في مفهوم العنف وقابل بين القوة الشرعية والعنف اللاشرعي كما ذهب الى ذلك (ج. فرويند) الذي اعتبر الجيش المنظم هو الصورة النموذجية للعنف. وقد احسن صنعا عندما قابل بين القوة الشرعية والعنف اللاشرعي. بينما (ج.لافو) توسع في مفهوم العنف ليشمل الحاق الاذى او التهديد بألحاقه. من جانب اخر قصر مفهوم العنف على الجسدي سواء تعلق الامر بالفرد او الجماعة.
2. ان انطلاق البعض في تعريفه للعنف من ميدان حقوق الانسان فيه توسيع لمفهوم العنف. اذ في حالات معينة تقيد حقوق الانسان في سبيل الصالح العام كما في حالة اعلان الطوارئ.
3. اذا كان العنف هو العامل المشترك بين الارهاب وغيره من الاعمال التي يشكل فيها العنف عنصرا اساسيا. الاان العنف في العمل الارهابي يتميز عنه في الاعمال الاخرى بخصيصتين كما يراه البعض(11):
أ‌- العشوائية وعدم التمييز بين ضحاياه الذين يستهدفهم وغالبا ما يكونون من المدنيين الغير مقصودين لذاتهم، انما عن طريقهم يريد بث الرعب والخوف والفزع. فقد تنفجر سيارة مفخخة في سوق شعبي او في شارع مزدحم فيذهب نتيجة الانفجار اناس عاديون لا يعرفهم الارهابيون ولا يعيرون اهتماما لحياتهم او موتهم انما وضعتهم الصدفة في مكان الانفجار. وقد يستهدف الاشخاص اما لمراكزهم حيث ينتمون لقومية او جهة سياسية او دينية معينة، او لصفاتهم كأن يكونوا اشخاصا مهمين في الجهاز الذي يعمل به، او احد كبار مسؤولي الحكومة. اذن مايهم الارهابي ليس شخص الضحية بل ردة الفعل الذي يعكسه قتل ذلك الضحية اذا كان مستهدفا لمركزه، اوما يحدثه كثرة الضحايا من افشاء حالة الخوف والفزع.(غانم،المرجع السابق).
وهكذا فان العمل الارهابي ينطوي على القتل والابادة والابعاد، كما يحصل الان من ابعاد لآلاف العوائل العراقية من بعض المناطق بدوافع واسباب طائفية وهذه جرائم ضد الانسانية كما جاء في المبدء السادس من مبادئ (نورمبرج) ان الجرائم ضد الانسانية هي القتل والابادة والابعاد والاسترقاق وكل فعل آخر غير انساني يرتكب ضد المدنيين قبل واثناء الحرب، وكذلك افعال الاضطهاد المبنية على اسس سياسية او عرقية او دينية متى كانت هذه الافعال قد ارتكبت في اطار جريمة ضد السلام او كانت ذات صلة بها حتى لو كان ارتكاب هذه الافعال لا يتعارض مع قوانين البلد الذي ارتكبت فيه). ومثال هذه الجرائم العمل الذي قامت به عصابة (الارغون) التي كان يرأسها رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق عند دخولها قرية دير ياسين عام 1948حيث ذبحت 250 شخصا. وسُميت المذبحة باسم القرية التي وقعت فيها وما تبعها من تهجير وابعاد.(نفس المصدر).
ب‌- التنظيم المتصل بالعنف. اي ان يتبنى الفاعل استراتيجية معينة في استخدام الوسائل، وطرق استثنائية في العمل المنظم لتحقيق ما تصبوا اليه الجماعة من اهداف عن طريق ما يؤدي اليه هذا الاستخدام الاستثنائي والمنظم للوسائل من ارباك للضحية وخلق جو من الرعب والاضطراب تؤدي الى اثارة الفوضى. وازداد العمل الارهابي تعقيدا في الوقت الحاضر حيث تديره جماعات متخصصة وعلى درجة عالية من التنظيم والتسليح، وقد تديره مخابرات بعض الدول (نفس المصدر).
4. ان مفهومي العنف والارهاب هما عبارة عن دائرتين تتداخلان فتشتركان في بعض الاجزاء وتفترقان في اجزاء اخرى الا ان العنف اوسع محيطا. وبعبارة اخرى ان العنف اكثر شمولا واوسع مفهوما من الارهاب وان كان بينهما تطابق وافتراق. فليس بالضرورة ان يكون كل عنف ارهاب، او كل ارهاب عنف. فقد يحصل عمل عنيف ولا يعد ارهابا وبالمقابل قد يحصل عمل ارهابي ولا يصاحبه العنف كجرائم غسيل الاموال والانترنت. ومع ذلك يبقى العنف المحور الاساسي للارهاب فبواسطته يحقق الارهابيون نشر اهدافهم.
نظريات العنف اللامشروع:
ان من طبيعة الانسان هو السؤال عن علة كل معلول وسبب كل مسبب، والسؤال هنا ماهي الاسباب التي تؤدي بالانسان ان يسلك مسلكا اجراميا ؟. للاجابه على هذا التساؤل توجد ثلاث اتجاهات تختلف اختلافا جذريا في اجاباتها ويمثل كل اتجاه نظرية لاتخلو من دوافع معينه قد يتلمسها القارئ الكريم من خلال عرض هذه النظريات:
الاتجاه الاول:
ويعتمد الاسباب العضوية او النفسية كأساس للسلوك الاجرامي مثل الخلل العضوي او العقلي او النفسي. ويطلق على هذا الاتجاه النظرية البيولوجية او ( بيولوجيا العنف ) التي نادى بها ( دي توليو )عام 1945 وسماها نظرية التكوين الاجرامي. ومفادها ان سبب السلوك الاجرامي الذي يدفع الفرد الى الشذوذ في القتال والدفاع هو خلل في وظائف الجهاز العصبي يدفع الانسان الى ارتكاب جرائم الدم ( اللاري،،رسالة الاخلاق،1989).
فيما يذهب الطبيب الايطالي (لوم بروزو) الى ان هناك جناة بالفطرة، ولاحظ كثرة الوشم على ابدانهم وخلص الى نتيجة هي ان ابدان الجناة اقل درجة من الحساسية بالنسبة الى ابدان الافراد العاديين. وشرّح مخ احد قطاع الطرق فوجد تشابها بين مخه ومخ الحيوانات الفقرية. فكان ذلك اساسا لظهور نظرية ( الصفات الوراثية الكامنة). كما لاحظ ان بعض الصفات تدل على الاجرام الفطري مثل الكبر او الصغر غير الطبيعي في الرؤوس او الشعر المجعد او عدم تناسب الرؤوس مع الوجوه او الجبهات المندحرة الى الوراء... الخ فاذا اجتمعت عدة من الصفات المذكورة في شخص ما فأنه مجرم بالفطرة حتما واطلق لوم بروزو على هذه الخصائص ( سمات الانحطاط )(نفس المصدر).
اما فرويد فيعتقد ان سبب السلوك الانساني بشكل عام هو غريزة الحياة التي تتجسد وظيفتها في دعم انماء الحياة. واطلق على الغريزة المذكورة اللبيدو اما العنف فينشأ حسب رأيه من احباط او سد منافذ الطاقة. ولكن بعد الحرب العالمية الاولى وما خلفته من احداث مأساوية رأى وجود غريزة اخرى اطلق عليها غريزة الموت ووظيفتها هي التدمير وانهاء الحياة. وعلى هذا توجد في الانسان حسب رأيه غريزتان هما غريزتا الحياة والموت تتصارعان لتحديد سلوك الانسان. اما ( لورنز) فيرى سبب العنف هو غريزة العراك واعتبر هذه الغريزة مشتركة بين الانسان وباقي الكائنات، ويترتب على هذه النظرية ان العنف سلوك في الانسان لايمكن تفاديه (غانم،المصدر السابق).
فيما ذهب فريق آخر الى ان الحماقة سبب العنف. ويعتبر( هنري جودارد) احد رواد هذه المدرسة ان الحمقى اشكال انسانية غير متطورة بسبب انخفاض ذكائهم على الرغم من تمتعهم بأجساد قوية. وارجع آخرون سبب العنف الى خلل جيني حسبما توصل اليه فريقا عمل هولندي وامريكي عندما اكتشفا ان الرجال في احدى العائلات الهولندية ارتكبوا جرائم عنف على مدى خمسة اجيال ولكن احد اعضاء الفريق الهولندي ( هان برونر) حذر من تعميم النتائج المتعلقة بهذه العائلة (نفس المصدر).
ما يلاحظ على الاتجاه المذكور (النظريات البيولوجية) مايلي:
1. ان لها علاقة بالنظرية الداروينية التي تهدف اساسا الى اعلاء الجنس الابيض على الاجناس الاخرى حيث قسمت بعضها الدم البشري الى مراتب وجعلت الدم الازرق في اولاها. فهي اذن مرتبطة بالتعصب التي اجتاحت العالم ولازال صداها يتردد لتفضيل جنس على آخر وما نشأ عنها من التمييز العنصري، فمثلا نجد ان نظرية الحماقة تؤكد انها تنتشر بين ذوي الدخول المحدودة او المنخفضة وخاصة بين اقليات المهاجرين من جنوب وشرق اوربا. وبهذا الصدد يقول (تشارلز ديفنون) مدير معهد كارنيجي في نيويورك واحد علماء تحسين النسل ( ان التدفق الكبير للهجرة من شرق وجنوب اوربا سوف يجعل الامريكيين اكثر سمرة واقل منزلة واكثر مكرا وميلا لارتكاب جرائم السرقة والخطف والاعتداء والاغتصاب)(اللاري،المصدر السابق).
2. لم يثبت العلم صحة هذه النظرية بشكل قاطع بل العكس يوجد علماء يرون عكس ماذهب اليه اصحاب هذا الاتجاه. فمثلا يرى الدكتور (كارل) لايوجد في البشر مجرم بفطرته كما يقول لوم بروزو بل الحقيقة ان كثيرا من المجرمين اناس طبيعيون وعاديون بل لبعضهم ذكاء خارق للعادة [ ...] لكثير منهم ذكاء وعواطف وجمال طبيعي، بل قد يفوق بعضهم الحد الطبيعي، لكنهم محرومون من المواهب الاخلاقية. وكثير منا ايضا من يظهر فيهم بعض العوارض النفسية [...] ان اكثر الناس فائدة انما هم الذين ينسجم وتتوازن وتتعادل فيهم نشاطاتهم الفكرية والاخلاقية بعضها مع بعض...). كما كتب احد علماء النفس (لقد اصبح اليوم من الثابت المتفق عليه والذي لم يبق فيه اقل مجال للتشكيك هو انه لايوجد في البشر انسان شرير بالذات، نعم يوجد اناس مرضى النفوس)(غانم،المصدر السابق).
اضافة لذلك فقد اعتبر عالم الوراثة الامريكي (بول بيلينجر) ان سبب العنف هو الفقر والتمييز العنصري وفشل النظام التعليمي وليس الجينات(غانم،المصدر السابق)).

3. ما يؤكد عدم صحة النظرية عدم اتفاق روادها على سبب واحد يكون دافعا للسلوك الاجرامي. فبينما يرى بعضهم ان غريزة الهدم او الموت هي السبب في ذلك. يذهب فريق اخر الى ان بعض الجينات هي الدافع لهذا السلوك. فيما يربط فريق ثالث بين العنف وتوافر صفات معينة، فاذا ماتوافرت هذه الصفات في شخص ما كان مجرما بالفطرة. اضافة لذلك فهي تركز على الفاعل وتترك الاسباب الخارجية التي لها تأثير على السلوك الانساني.
الاتجاه الثاني (المدرسة الاجتماعية):
تبنت هذه النظرية العوامل السابقة في وجودها وجود الفرد فهي التي تؤثر في تكوين شخصيته وسلوكه. كالعوامل البيئية والموضوعية اضافة الى عوامل ذاتية تتعلق بشخصية الفرد فضلا عن تلك التي تؤثر على البناء الثقافي للمجتمع. واختلف المنادون بهذا الاتجاه في الاسباب التي تدفع الشخص الى السلوك الاجرامي.
فمنهم من يعتمد التفسير الثقافي للعنف بمعنى ان المعايير التي تحدد السلوك الاجرامي تختلف باختلاف الثقافات ويعللون ذلك بان الجريمة تختلف من مجتمع لاخر بحسب ثقافته وفهمه للخطأ والصواب. وفي رأيهم ان ما ينطبق على الجريمة ينطبق على العنف فهو الآخر يختلف باختلاف المجتمعات وبحسب ثقافاتها لذلك فان (مايسمى بالعنف يختلف من مجتمع لاخر ومن ثقافة لاخرى ففي نظام افريقي معين يعد تقديم الذبائح البشرية امرا طبيعيا لا يمكن وصفه بالعنف). فالعنف وفق هذا الاتجاه يتعلق بالمعايير التي تتبعها المجتمعات وحسب ثقافة كل منها (غانم،المصدر السابق).
دراسة اخرى تقول ان اعظم مظاهر العنف هو فرض ثقافة جماعة على جماعة اخرى. فالشخص او مجموعة الاشخاص الذين يجدون انفسهم امام ثقافة اخرى تختلف عن ثقافتهم وتهدف للسيطرة على مجتمعهم يكونون امام طريقين. اما الاخذ بهذه الثقافة بعد التخلي عن ثقافتهم الاصلية وما يترتب على ذلك من فقدان لهويتهم نتيجة فقدان ثقافتهم، واما ان يعيشوا غرباء. والمجتمع الذي يفرض ثقافته من خلال ثورة الاتصالات فهو يمارس العنف ويعد مجتمعا قمعيا. وهذا ما ذهب اليه ( ميشيل كورنانون ) الذي اعتبر بأن زيادة جرائم العنف بين الزنوج لايمكن تفسيره جينيا او وراثيا بل مرجعها طبيعة التجربة التي يمر بها الزنوج في المجتمع الامريكي وهي تختلف عن طبيعة التجارب للجماعات الاثنية الاخرى ( غانم،المصدر السابق).
ويذهب فريق آخر الى ان العنف هو احد سمات الطبقات الاجتماعية الدنيا يتنقل بين اجيالها ولا يعتبر اغلب انواع السلوك الاجرامي حسب ثقافة هذه الطبقات جريمة. ويرون ان الفقر والعنف يساعد كل منهما الاخر ويشجعه وعلة ذلك هي ان هذه الطبقات لاتستطيع خرق الحواجز الثقافية التي تفصل بينها وبين المجتمعات الاخرى لذلك تبقى ثقافة الفقر ملازمة لهذه الجماعات ولا تنفك عنها. ويشير الامريكي ( هاري مور) الى العلاقة بين الثقافة الامريكية والعنف بقوله ( ان مفهوم الثقافة يشير الى تعرض الطفل الى معايير معينة او اتجاهات وقيم تنحدر اليه من ابائه وعبر الوقت تحدد هذه العناصر شخصيته كفرد، بجانب ان هناك عناصر او عوامل بيئية اخرى تشارك في التأثير في شخصية الفرد اهمها جماعة الاصدقاء، الجماعة الاجتماعية التي ينتمي اليها، جماعة العمل التي ينتمي اليها ) (ابوشامة،المصدر السابق).
كما اخذ اصحاب هذا الاتجاه بالتنشئة الاجتماعية والتربية كسبب للعنف، اي ان الفرد يتلقى قيم ومفاهيم المجتمع الذي يعيش فيه ويكون لهذه القيم الدور الكبير في بناء شخصيته لان الشخصية كما انها نتاج الجينات فهي ايضا نتاج للطريقة التي ينشأ فيها ذلك الفرد في مجتمع ما (يعقوب،الجريمة الارهابية ،المصدر السابق).
يلاحظ ان هذه المدرسة او اصحاب الاتجاه الثاني اهتموا بالعوامل الخارجية واهملوا الجانب الذي يتعلق بالفاعل على خلاف ماذهب اليه اصحاب الاتجاه الاول حيث ارجعوا السبب الى الفاعل فقط بعيدا عن الاسباب الخارجية، واذا كان الاتجاه الاول قد جانب الواقع في توجهاته كما اثبت العلم ذلك، فان الاتجاه الثاني قد لامسه لاعلى اعتبار العوامل الخارجية هي السبب الرئيسي في العنف بل على اساس انها عوامل مساعدة له. والسؤال الذي يطرح على اصحاب التوجه الثاني لماذا تؤثر العوامل الخارجية على شخص فتدفعه الى تبني العنف - وهم قلة في اي مجتمع - ولاتؤثر على الاغلبية الذين يعيشون في ظل ثقافة اجتماعية واحدة ويواجهون نفس الظروف المعاشية ؟
الاتجاه الثالث:
وهو الذي يؤكد على العوامل الذاتية ولاينسى العوامل الخارجية باعتباها منشّطة للاولى. لان الفرد ليس ابن بيئته بل انه ابن ذاته متأثرا ببيئته. وهذا ماذهبت اليه النظرية الاخلاقية الاسلامية التي تنطلق من القران الكريم. وتؤكد هذه النظرية على ان النفس هي اساس كل شئ (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد افلح من زكاها. وقد خاب من دساها)(الشمس:7-10). يستفاد من الاية ان هناك حالتين: حالة النفس المسواة اي تسوية النفس، وحالة الهامها قوى الخير والشر. وعلى هذا الاساس يولد الانسان مزودا بقوى تؤهله الى الخير وقوى تدفعه الى الشر. وسبب ذلك كون الانسان مختارا (وهديناه النجدين)(البلد:10) في سلوك طريق الخير او طريق الشر. اذ لو كانت فيه قوى من نوع واحد لكان مجبرا على سلوك ما تأمر به هذه القوى وتنتفي في هذه الحالة صفة كونه مختار.(الطباطبائي،المصدر السابق).
قال رواد هذه المدرسة ان في النفس الانسانية ثلاث قوى اطلقوا على الاولى اسم القوى الشهوية ومهمتها دفع الانسان الى كل عمل يجلب له النفع كالاكل والشرب والملبس وغير ذلك. والثانية القوة الغضبية وهي اساس كل فعل يقوم به الانسان لدفع المضرة عن نفسه وعرضه وماله. اما الثالثة فهي القوة النطقية الفكرية ووظيفتها الافعال العقلية التي يقوم بها الانسان كأقامة الحجة. ولكل من هذه القوى الثلاث جانب الافراط والاعتدال. فاذا ما لازمت جانب الاعتدال وتعاونت فيما بينها فلم يصدر من الانسان الا افعال نوعية، واذا ما تجاوزت جانب الاعتدال الى جانب التفريط يصدر عن الفرد افعال غير نوعية. كما لوتجاوزت القوة الشهوية حد الاعتدال ومالت الى الافراط فانها تتخذ جانب الشره. وكذا الحال بالنسبة للقوة الغضبية فحد الاعتدال فيها هو الشجاعة وميلها عن هذا الحد يعني التزام جانب التهور والجبن. اما القوة الفكرية فحد اعتدالها الحكمة وتجاوزه البلادة. ومن اجتماع الملكات الثلاث تحصل في النفس ملكة رابعة هي العدالة ومهمتها اعطاء كل قوة حقها ليتحقق التوازن (النراقي،جامع السعادات،المصدر السابق).
ان عدم إعمال القوة الرابعة يعني اطلاق العنان للقوى الثلاث بالمصارعة فيميل الانسان مع القوة الغالبة ويمتثل لطلباتها. ويضربون مثلا لذلك كما لو اجتمع حكيم وكلب وخنزير وشيطان في مكان واحد وترك لهم تسوية امر ما. وان الحكيم يمثل القوة العاقلة، والكلب يمثل القوة الغضبية، ويمثل الخنزير القوة الشهوية اما الشيطان فهو القوة الوهمية. وحصل نزاع بينهم فأيهم يغلب يكون الحكم له. وكذا حال القوى الاربعة المتصارعة في النفس الانسانية.
لاتغفل هذه النظرية العوامل الخارجية لتكون دافعة او منشطة لاحدى القوى على غيرها. ففي التعلم النافع والثقافة الصالحة دعم للقوى الفكرية لسلوك طريق الخير. اما الثقافة الطالحة فقد تؤثر على القوة الفكرية فتنشطها لابتكار كل وسيلة تدفع بالانسان الى العنف اذا اختار الشخص ذلك وقد لاتؤثر عليه.
من خلال التحليل المتقدم للنفس نصل الى النتائج التالية:
اولا: ان هذا التحليل يشمل كل نفس انسانية، فلا يقتصر على النفس العربية دون غيرها، ولا بالانسان المسلم دون سواه. فلا يوجد جناة بالفطرة كما كان يعتقد (لوم بروزو) وان صفات وخصائص اذا اجتمعت في انسان فيكون مجرما بالفطرة وسماها (سمات الانحطاط). واذا كانت هذه الصفات كما يراها (لوم بروزو) جسمانية كالرؤوس غير الطبيعية في الكبر او الصغر فقد اصبحت الان في نظر البعض من الكتاب عرقية او عقائدية كأن يكون مسلما اوعربيا.
ثانيا: ان القوى السبعية قد تتغلب عند الانسان العربي او المسلم فيفجر مركزي التجارة في الولايات المتحدة الامريكية، كما تغلبت عند الامريكي وفجر مبنى اوكلاهوما. و اذا اردنا التوسع فبسبب تغلبها نشبت الحربان العالميتان الاولى والثانية. وبفعل تسلطها ضُربت اليابان بالقنابل الذرية. وبسبب قيادتها اغتصبت فلسطين ودمرت الشعوب ولاتزال تدمر.
المطلب الثاني
الدوافع على القيام بالاعمال الارهابية
بين الباعث على سلوك انساني معين والدافع اليه تشابه كما ان بينهما اختلاف. فمن حيث الاختلاف فان الدافع يعني المحرك او المحركات التي تقف وراء سلوك الفرد وميوله واتجاهاته، فالدافع كلما هو داخلي في الانسان يدفعه الى تحقيق اهدافه (الترتوري،دافعية الانجاز،دراسة).
والدافع كما يعرفونه: مثير داخلي يحرك سلوك الفرد ويوجهه للوصول الى هدف معين. كما يعرفه آخر بانه: القوة التي تدفع الفرد لان يقوم بسلوك من اجل اشباع وتحقيق حاجة او هدف. اما الباعث او الحافز فانه الموضوع الخارجي الذي يحفز الفرد للقيام بسلوك للتخلص من حالة التوتر. ومثال على ذلك الجوع والعطش دافعان يدفعان الانسان الى القيام بسلوك معين لاجل الحصول على الطعام او الماء، والاخيران يعتبركل منهما هو الحافز او الباعث لسلوك ذلك الفرد. بمعنى آخر ان الدافع هو المثير الداخلي في الانسان والباعث هو المثير الخارجي(نفس المصدر).
والجريمة كظاهرة لسلوك انساني لها دوافع وبواعث تسببها. والباعث على الجريمة يدخل في اهتمامات علم الاجرام، فهو يبحث الاسباب التي تؤدي الى ارتكابها سواء كانت تلك الاسباب داخلية ذاتية تخص الفرد او اسباب خارجية. فعلم الاجرام يتناول الجريمة من حيث اسبابها واساليبها والظروف التي تحيط بها. اما القانون الجنائي فلا يهتم بالباعث او الدافع بأعتبارهما من المحركات الداخلية او الخارجية لفعل الفرد انما ينظر الى اركان الفعل المخالف للقانون، فاذا ما توافرت الاركان التي يشترط القانون توافرها اصبح الفعل جريمة معاقب عليها بغض النظر عن الاسباب الداخلية والخارجية التي دفعت الفرد على ارتكاب فعله المخالف للقانون وان اخذت به المحكمة كظرف مشدد او مخفف للجريمة الا انه لايحول الفعل من فعل محرّم قانونا الى فعل مباح. وهذا ما أكده المشرع السوري بعد تعريفه الدافع في المادة (191) من قانون العقوبات:
(1- الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل او الغاية القصوى التي يتوخاها. 2- ولا يكون الدافع عنصرا من عناصر التجريم الا في الاحوال التي عينها القانون). وينطبق هذا ايضا على الجريمة الارهابية فان القوانين الوطنية والدولية اهتمت بالاركان دون اي اعتبار للباعث على ارتكاب العمل الارهابي. مما يعني ان هذه القوانين قدمت اسلوب الردع والزجر ضد مرتكبي هذه الافعال بدلا من اسلوب المعالجة الذي ينبغي ان يقف على اسباب ارتكابها داخلية كانت او خارجية (يعقوب،الجريمة الارهابية،المصدر السابق).
الا ان مايثير الغرابة هو ان بعض الدول التي تدعي انها راعية الديمقراطية والمدافعة عن حقوق الانسان ترفض تطبيق القانون الدولي او حتى قانونها الداخلي على بعض مرتكبي هذه الجرائم، واذا اردنا الدقة في التعبير فنقول على المتهمين بارتكاب الاعمال الارهابية. كما حصل مع المعتقلين في سجن كوانتنامو، فهم لم يعرضوا على المحاكم وتحقق معهم الاجهزة الخاصة التي اطلقت يدها في استعمال الوسائل التي تؤدي الى الاعتراف. ودار جدل قانوني حول قضية هؤلاء المعتقلين ومدى شمولهم بأتفاقيات جنيف المبرمة في عام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977. سيما المادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة التي تنص (أ- اسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الاشخاص الذين ينتمون الى احدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1- افراد القوات المسلحة لاحد اطراف النزاع، والملشيات او الوحدات المتطوعة التي تشكل جزء من هذه القوات المسلحة.
2- افراد الملشيات الاخرى والوحدات المتطوعة الاخرى بمن فيهم اعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون الى احد اطراف النزاع ويعملون داخل او خارج اقليمهم، حتى لو كان هذا الاقليم محتلا، على ان تتوافر الشروط التاليه في هذه الملشيات او الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:
أ- ان يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه. ب- ان تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها عن بعد. ج- ان تحمل الاسلحة جهرا. د- ان تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
3- افراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة او سلطة لاتعترف بها الدولة الحاجزة...). وحددت الفقرة (ب) من نفس المادة الاشخاص الذين يعاملون كأسرى حرب بمقتضى هذه المادة (1- الاشخاص الذين يتبعون او كانوا تابعين للقوات المسلحة للبلد المحتل اذا رأت دولة الاحتلال ضرورة اعتقالهم بسبب هذه الانتماء حتى لو كانت قد تركتهم احرارا في بادئ الامر اثناء سير الاعمال الحربية خارج الاراضي التي تحتلها، وعلى الاخص في حالة قيام هؤلاء الاشخاص بمحاولة فاشلة للانضمام الى القوات التي يتبعونها والمشتركة في القتال، او في حالة عدم امتثالهم لانذار يوجه اليهم بقصد الاعتقال.
2- الاشخاص الذين ينتمون الى احدى الفئات المبينة في هذه المادة، الذين تستقبلهم دولة محايدة او غير محاربة في اقليمها وتلتزم بأعتقالهم بمقتضى القانون الدولي، مع مراعاة اي معاملة اكثر ملائمة قد ترى هذه الدول من المناسب منحها لهم....).
اما المادة الخامسة فتشير الى انطباق هذه الاتفاقية على المذكورين في المادة الرابعة من تاريخ وقوعهم في الاسر بيد العدو الى ان يتم الافراج عنهم. اما اذا كان هناك شك حول انتماء اشخاص قاموا بعمل حربي وتم اسرهم من قبل العدو وتمحور الشك حول انتمائهم الى احدى الفئات المذكورة في المادة الرابعة، فانهم ايضا مشمولون بالحماية التي تكفلها هذه الاتفاقية الى ان تفصل محكمة مختصة في اوضاعهم.
هذه الطريقة التي رسمتها الاتفاقيات لمعاملة الاسرى او الذين يشك في انتماءاتهم فضلا عن رفض التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة وهذا ما اكدته اتفاقية مناهضة التعذيب المتخذة في الجلسة العامة 93 لعام 1984 وتنص في الجزء الاول المادة الاولى منها على (لاغراض هذه الاتفاقية، يقصد بالتعذيب اي عمل ينتج عنه الم او عذاب شديد، جسديا كان ام عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص او من شخص ثالث على معلومات او على اعتراف او معاقبته على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه، هو او شخص ثالث او تخويفه او ارغامه هو او اي شخص ثالث او عند ما يلحق مثل هذا الالم او العذاب لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز ايا كان نوعه...).
هذه الاتفاقيات وغيرها لم تعد صالحة للتطبيق على مايجري في سجن غوانتنامو والسجون الامريكية السرية الاخرى المقامة في الدول الاوربية. والغريب ان الولايات المتحدة تحترم هذه الاتفاقيات وغيرها على الاراضي الامريكية وتنتهكها بل وتكون في حلّ منها على ارض الغير. والانكى من ذلك ان كل هؤلاء المعتقلين وخاصة العرب منهم لم يعرضوا على المحاكم في حين جرت محاكمات آخرين لانهم من رعايا دول اوربية كما حصل مع الموسوي وغيره.
على ان الباعث على القيام بسلوك ما كما يمكن ان يكون دنيئا يترتب عليه ان يكون الفعل الناتج من هذا السلوك جريمة يعاقب عليها القانون كقتل انسان لانه ينتمي الى طائفة او قومية او دين معين او كما يطلق عليه في العراق الآن القتل على الهوية. كذلك يمكن ان يكون الباعث شريفا ولا يكون كذلك الا اذا عبّر السلوك عن القيم والمفاهيم السائدة في وجدان المجتمع والتي تحظى بأحترام وتقديس ذلك السلوك كما في العمل المقاوم. ولعل احسن مثال على ذلك هو ماقامت به المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان في حربها الاخيرة مع اسرائيل دفاعا عن الشعب والوطن. حيث عبرت عن رضا غالبية الشعب اللبناني قبل الضغوط الامريكية على بعض الاحزاب وحققت المقاومة ماعجز العرب مجتمعون عن تحقيقه طيلة اكثر من نصف قرن رغم الدمار الذي حلّ بلبنان. وهو نفسه الباعث الذي يدفع المقاومة الفلسطينية مدعومة برضا غالبية الشعب الفلسطيني الذي ايد الحل السلمي طيلة اكثر من خمسة عشر سنة ولما لم ينل ماتمناه عن طريق المفاوضات دعم المقاومة الفلسطينية واوصلها الى سدت الحكم رغم الحصار الذي فرضته الدول الداعمة للديمقراطية.
وتختلف الجرائم الارهابية عن الجرائم العادية في البواعث والاهداف. وهنا يلاحظ ان الباعث اذا كان شخصيا فلا يعتبر العمل ارهابيا حتى وان كان ذلك العمل يسبب الاذى. واذا ارتكب نفس العمل بباعث سياسي او عقائدي فالعمل يكون ارهابيا. وعلى هذا اذا تم خطف الطائرة وكان الباعث على اختطافها هو الحصول على مكاسب شخصية فالعمل لايعتبر ارهابا رغم ما يخلفه عمل الخطف من الخوف والرهبة في نفوس الطاقم وركاب الطائرة الآخرين، اما اذا كان عمل مشابه للعمل الاول ولكن تكمن وراءه اسباب سياسية كمحاولة الاعلان عن قضية معينة او المطالبة بأطلاق سراح سجناء في دولة معينة فالعمل يعتبر ارهابا. وهو تفريق لايوجد له ما يبرره. لأن العمليتين خلقت حالة من الرهبة والخوف والقائم بالفعل في كلا الحالتين هو المتسبب في ايجاد حالة الرعب والخوف والمفروض الا يلتفت الى الباعث (شكري،المصدر السابق).
يتسائل الاستاذ بسيوني عن الحالة الذهنية للفاعل عوضا عن سلوكه فيقول (لماذا يجب ان يعتمد التركيز الرئيسي على الحالة الذهنية الشخصية للفاعل عوضا عن السلوك الموضوعي للفاعل [...] وبأختصار لماذا لانصف عمل قتل المدنيين الابرياء كجريمة موضوعية بغض النظر عن الهدف النهائي للفاعل ؟) كما يتسائل الاستاذ بسيوني (لماذا لانستند الى المبادئ الاساسية للمسؤولية الجنائية التي اعترف بها منذ وقت طويل وطبقت في كل نظام قانوني في العالم كأساس للمسائلة ؟) ( يازجي وشكري،المصدر السابق).
ويرى الدكتور شكري ان البعض يعتبر الجريمة الارهابية سياسية في مرحلة التجريم وذلك لأنهم ياخذون الباعث السياسي او الايديولوجي بنظر الاعتبار. الا انهم ينزعون الصفة السياسية عن نفس الفعل في مرحلة الجزاء واعتبارها من الجرائم العادية ودون الاخذ بالباعث. ثم يسيسون نفس الفعل في مرحلة ثالثة بأعتبارها ذات اهتمام دولي. فيقول الدكتور شكري (ان هذا التوصيف المتغير المحير، وفي الواقع غير المنطقي، لنفس الفعل الصادر عن نفس الشخص فقط من اجل ضمان مقاضاة اسهل منالا على جرائم حشرت تعسفيا تحت عنوان الارهاب (شكري،المصدر السابق).
كما ان للباعث مفهوم واسع وآخر ضيق. الاول يشمل كل الظروف النفسية والفيزيائية التي تحرك عند الانسان الحر احاسيسه الشخصية. اما المعنى الضيق فهو السبب المباشر الذي يدفع لحسم الفعل. والغموض الذي يحيط تعريف الارهاب ينعكس على الباعث والاسباب حيث يختلف الفقهاء والباحثون في تحديد هذه الاسباب. ولكن هناك شبه اجماع حول اسباب معينه سياسية وايديولوجية وعرقية (العكرة،المصدر السابق). ويختلف الارهاب تبعا لهذه الاسباب فيكون اما :
1. ارهاب سياسي.
2. ارهاب ايديولوجي وعقائدي.
3. ارهاب عنصري او عرقي.
اولا: الارهاب او الميز العنصري:
اعتبرت الاتفاقية الخاصة بقمع جريمة الفصل العنصري التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة بجلستها العامة 2163 في 2/تشرين الثاني / نوفمبر /1973 ان التمييز العنصري هو جريمة ضد الانسانية وجاء في مادتها الاولى (1- تعلن الدول الاطراف في هذه الاتفاقية ان الفصل العنصري جريمة ضد الانسانية، وان الاعمال اللاأنسانية الناجمة عن سياسات وممارسات الفصل العنصري وما يماثلها من سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين، والمعرّفة في المادة 2 من الاتفاقية، هي جرائم تنتهك مبادئ القانون الدولي وتشكل تهديدا خطيرا للسلم والامن الدوليين. 2- تعلن الدول الاطراف في هذه الاتفاقية تجريم المنظمات والمؤسسات والاشخاص الذين يرتكبون جريمة الفصل العنصري).
اما المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة فقد عرّفت عبارة الفصل العنصري (ان عبارة جريمة الفصل العنصري التي تشمل ما يماثل ذلك من سياسات او ممارسات العزل والتمييز العنصريين الممارسة في الجنوب الافريقي، تنطبق، لأغراض هذه الاتفاقية على الافعال اللاأنسانية الآتية، المرتكبة لغرض اقامة وادامة هيمنة فئة عنصرية ما من البشر على اية فئة عنصرية اخرى واضطهادها اياها بصورة منتظمة:-
أ- حرمان عضو او اعضاء في فئة عنصرية او في عدة فئات عنصرية من الحق في الحياة والحرية الشخصية:
1- قتل اعضاء في فئة او عدة فئات عنصرية. 2- بألحاق اذى خطير، بدني او عقلي، بأعضاء فئة او عدة فئات عنصرية، او بالتعدي على حريتهم او كرامتهم، او باخضاعهم للتعذيب او المعاملة او العقوبة القاسية او الوحشية او الحاطّة بالكرامة. 3- بأعتقال اعضاء فئة او عدة فئات عنصرية بصورة لاقانونية.
ب- تعمد فرض ظروف معيشية على فئة او عدة فئات عنصرية، يقصد منها ان تفضي بها الى الهلاك الجسدي، كليا اوجزئيا.
ج- اتخاذ اية تدابير تشريعية او غير تشريعية، يقصد بها الحؤول دون مشاركة فئة او عدة فئات عنصرية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد، وتعمد خلق ظروف تحول دون النماء التام لهذه الفئة او الفئات، وخاصة بحرمان اعضاء فئة او عدة فئات عنصرية من حريات الانسان وحقوقه الاساسية، بما في ذلك الحق في العمل والحق في تشكيل نقابات معترف بها والحق في التعلم، والحق في مغادرة البلد والعودة اليه، والحق في حمل الجنسية، والحق في حرية التنقل والاقامة، والحق في حرية الرأي والتعبير والحق في حرية الاجتماع وتشكيل الجمعيات سلميا.
د- اتخاذ اية تدابير، بما فيها التدابير التشريعية، تهدف الى تقسيم السكان وفق معايير عنصرية بخلق محتجزات ومعازل مفصولة لأعضاء فئة او عدة فئات عنصرية، ويحظر التزاوج فيما بين الاشخاص المنتسبين الى فئات عنصرية مختلفة، ونزع ملكية العقارات المملوكة لفئة او لعدة فئات عنصرية او لأفرادها.
ه- استغلال عمل اعضاء فئة او عدة فئات عنصرية، لاسيما بأخضاعهم للعمل القسري.
و- اضطهاد المنظمات والاشخاص، بالحرمان من الحقوق والحريات الاساسية، لمعارضتهم للفصل العنصري.)
اما المادة الثالثة فنصت على ان (تقع المسؤولية الجنائية الدولية، ايا كان الدافع، على الافراد واعضاء المنظمات والمؤسسات وممثلي الدولة، سواء كانوا مقيمين في اقليم الدولة التي ترتكب فيها الاعمال او في اقليم دولة اخرى:
أ- اذا ارتكبوا الافعال المبينة في المادة 2 من هذه الاتفاقية، او اشتركوا فيها، او حرضوا مباشرة عليها، او تواطأوا على ارتكابها. ب- اذا قاموا بصورة مباشرة بالتحريض او التشجيع على ارتكاب جريمة الفصل العنصري او تعاونوا مباشرة في ارتكابها).
اما المادة 11 فقضت على ان الافعال التي تؤدي الى الميز العنصري لاتعتبر جرائم سياسية، ولذلك تتعهد الدول الاطراف بتسليم المجرمين الذين يقومون بهذه الاعمال.
ما يلاحظ على هذه الجرائم هو التالي:
1. اعتبارها جرائم ارهابية، لأن هدفها والباعث على ارتكابها هو المحافظة على الحكم عن طريق بث الرعب والذعر، وهي تعد من الجرائم الدولية لانها تنتهك مبادئ القانون الدولي ومبادئ ميثاق الامم المتحدة حسب ما اكدته الاتفاقية الدولية المشار اليها اعلاه. وتم ممارسة هذه الانواع من الجرائم في جنوب افريقيا ونامبيا ومارسه بشكل او آخر النظام العراقي المقبور ضد فئات معينه طائفية او عرقية كما حدث للاكراد عندما عزلهم في منطقة (نقرة السلمان) بقصد القضاء عليهم فضلا عن اقامة تجمعات لبعضهم الآخر في المنطقة الشمالية لغرض عزلهم. وكما حصل لأهالي منطقة الدجيل عند عزلهم في نفس المكان الصحراوي. وهذا ايضا ماتقوم به اسرائيل عند اقامتها الجدار العازل والذي يطلق عليه الفلسطينيون بجدار الفصل العنصري.
2. بالرغم من اعتبار الفقهاء والمشرعين ان ممارسات العنف بدوافع عنصرية تنطبق عليها وصف الجرائم الارهابية الا ان هذا لايعني ان هذا الوصف هو محل اجماع من قبل الجميع. فمثلا لاتعتبر هذه الممارسات جرائم ارهابية بموجب الاتفاقية الاوربية التي عددت في الفصل الاول منها الجرائم الارهابية ولم تشر الى اعتبار الميز العنصري من ضمن هذه الجرائم. وكذلك فعلت بعض القوانين الجنائية الخاصة بالارهاب كالقانون العراقي لمكافحة الارهاب رقم 13لسنة 2005. اما المشرع التونسي فقد ذكر في الفصل السادس من القانون رقم 75 لسنة 2003 المتعلق بمكافحة الارهاب ان التحريض على التعصب يعامل معاملة الجرائم الارهابية، ويلاحظ الخلل في النص التونسي هو ان المعاقب هو المحرض على التعصب وليس المتعصب( يعقوب،الجريمة الارهابية، المصدر السابق).
ثانيا: الارهاب الايديولوجي والعقائدي
اختلف الفقهاء في المبادئ الايديولوجية والعقائدية وفيما اذا كانت تعتبر دوافع حقيقية لممارسة العنف، ام انهما عنصران مؤثران ضمن نظرية سياسية لها اهدافها المحددة وبالتالي فهما ليسا عنصرين اساسين. بمعنى آخر لايعتبر كلا منهما باعث حقيقي واساسي وانما عنصر مشدد يدفع الى تعصب انصار نظرية سياسية معينة كي يتبنوا الارهاب بأعتباره نوعا من التعبير السياسي لادراك اهدافهم السياسية.
ان التعصب العقدي والتطرف ايا كان موضوعه يرتبط بالارهاب. وقد يذهب التطرف بصاحبه الى ان يسلك جرائم تصل الى حد الاغتيالات او يفجرون انفسهم دون ان يعنيهم الموت شيئا فهم يتقبلونه بسعادة. والفهم الخاطئ لايديولوجية معينة والتطرف هما اهم الاسباب في انتشار الارهاب. لأن المتعصب لايرى حقيقة الا من وجهة نظره (اليوسف،المصدر السابق،2006).
يرتكز الارهاب الايديولوجي على مذهبين، الفوضوية والعدمية ولكل منهما تأثيره على الارهاب لأن كلاهما يساعد في اظهار الموقف الجديد والمعنى الجديد الناتج عن الارهاب لتأثير كل منهما على الاخر ولارتباطهما بمصدر ايديولوجي واحد. ومصدر الايديولوجية الفوضوية هو الافكار الاشتراكية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر وهناك تياران للفوضوية: الاول يقوده ماكس ستيرنر ويسمى بالفوضوية الفردية. والثاني جمع بين افكار الفرنسي بيار جوزف برودون والروسي ميشال باكونين ويسمى الفوضوية المجتمعية. والفوضوية هي التي ترفض السلطان بجميع اشكاله المتمثل بالاشخاص والمؤسسات والتي من شأن وجودها السيطرة على الانسان او الجماعة، وتعتبر التنظيم يحد من حرية الفرد. وبعد ان تهدم كل انظمة المجتمع القائمة وتعم فيه الفوضى تنقلب هذه الفوضوية الى نظام يقوم على اساس الحرية لذلك يقول ستيرنر (نحن الاثنان، الدولة وانا، أعداء[...] وليس للدولة الا هدف واحد: تحديد الفرد وتكبيله والحلول مكانه) (العكرة،المصدر السابق).
اما العدمية فجذورها ترجع الى التيارات الاشتراكية الثورية وتعني التمرد على القيم والاعراف السائدة بأعتبارها تحد من حرية الانسان. والعدمي مخلص في جميع علاقاته الاجتماعية شريطة الا يكون هناك تمايز بين الطبقات او بين الاجناس. وقد تبنى الاشتراكيون الروس هذه المبدء ولم يكتفوا بطرحه كنظرية بل نزلوا الى الشارع ليحملوا الشعب على تأييده مما ادى الى اعمال ارهابية(نفس المصدر).
اذن الارهاب الايديولوجي بنوعيه الفوضوي والعدمي له اتصال بنوعية النظام الرأسمالي او الاشتراكي. وقد يؤدي الصراع بين الفريقين الى حرب اهلية ايديولوجية وكل يحاول التخلص من النظام القائم والمجئ بنظام يتوافق مع ايديولوجيته وتعتبر منظمة الالوية الحمراء في ايطاليا مثالا لذلك(نفس المصدر).
اما الارهاب الفكري فهو ماتبنته الكنيسة بأنشائها محاكم التفتيش عام 1183 لمسائلة الناس عن آرائهم ومعاقبتهم في حالة مخالفتها لآراء الكنيسة، كما حصل مع العالم الفلكي (غاليلو) حيث حكمت عليه الكنيسة بالموت عام 1642 لانه قال بحركة الارض ودورانها حول الشمس وهو ما لاتعتقد به الكنيسة. وفي العصر الحديث ما تعرض له المفكر الفرنسي (روجيه جارودي) من تهديد نتيجة قوله جزء من الحقيقه عن تاريخ اليهود في كتابه (الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية). واتهم بمعادات السامية وتعرض الى ارهاب فكري.
تختلف التشريعات في تعاملها مع الجرائم الايديولوجية، فقد يتعامل نظام معين مع انصار ايديولوجية معينة انتهجوا العنف الارهابي للوصول الى غاياتهم باللين والرفق ويعتبرونهم مجرمون سياسيون يتمتعون بجميع الحقوق السياسية التي يتمتع بها المجرم السياسي وغالبا مايكون ذلك في البلدان التي تتبنى النظام الديمقراطي. وقد شذت الولايات المتحدة الامريكية عن هذا التوجه بعد احداث 11سبتمبر فملأت الاراضي الاوربية بالسجون السرية لاصحاب الفكر والرأي سواء تبنوا العمل الارهابي لتجسيد آرائهم ام لا(العميري،الرياض،2006).
اما البلد الذي يتضرر نظامه من نهج العنف الذي يتبناه انصار ايديولوجية معينه فيعاملونهم بقسوة وشدة بل ويعتبرونهم مجرمين خطرين على المجتمع. لذلك اعتمدت بعض التشريعات والاتفاقيات ترسيخ مفهوم الجريمة الارهابية مع الاخذ بمعيار خطورة الجريمة والوسائل المستعملة في ارتكابها بغض النظر عن الباعث على ارتكابها. لذلك تضمنت التشريعات والمعاهدات البند البلجيكي والذي يهدف الى حماية رؤساء الدول واصحاب المناصب العليا في الدولة وعوائلهم(يعقوب،الجريمة الارهابية).
ثالثا: الارهاب السياسي:
الارهاب هو استراتيجية عنف في الصراع السياسي. فهو يظهر ويترسخ في حالة تدني مستوى المشاركة في القرارات التي تمس حياة المواطن سواء كان ذلك داخل الاسرة او المدرسة او البيت او المنطقة او المدينة التي يعيش فيها او البلد الذي يتخذه موطنا له. ان البعد عن المشاركة وخاصة السياسية يجعل المواطن شيئا من الاشياء في هذا الوطن وليس انسانا له حقوق كما عليه واجبات. السبب الرئيسي في مثل هذا الحرمان هو عدم وجود تداول حقيقي للسلطة وما يؤدي اليه من تجاهل مطالب الشعب اضافة الى قمع الجماعات المعارضة وما سيؤدي اليه من وجود التربة الصالحة لنمو العنف والارهاب. وهذا مايلاحظ في الدول العربية ومحاصرتها لبعض التيارات الدينية وعدم اعطائها حرية العمل السياسي المشروع السبب الذي دفع بها الى تبني طريق العنف (اليوسف،المصدر السابق).
ولا تتوانى بعض الدول في ممارسة واستعمال العنف لتنفيذ سياساتها وهو مايؤدي الى زعزعت الاستقرار لانه يتنافى مع الاهداف الاساسية للنشاط السياسي، وتبحث هذه الدول عن تبرير لممارسة العنف فتارة تكون المصلحة العامة او مصلحة الوطن والى غير ذلك من التبريرات التي تسوقها الدولة لتبرير اعمالها. وما ان تكتشف الدولة خطورة اعمالها وتأثيرها على الرأي العام حتى تعمد الى تبرير ذلك بأنه عمل استثنائي سيزول بزوال اسبابه. فاذا ماطال امد الافعال العنفية من الدولة سيؤدي ذلك حتما الى ردود افعال من الشعب بممارسته الاعمال التي يعتقد انها ستمنع الدولة من الاستمرار بأعمالها، فيكون العنف متبادلا.
ويمتنع كل طرف من اطلاق الصفة الارهابية على الاعمال التي يقوم بها، بل ويصف اعمال الطرف الاخر بأنها الارهابية. وهذا ماحدث في فرنسا اثناء الغزو الالماني لها. فالفرنسيون يعتبرون الاعمال التي يقومون بها هي مقاومة ضد المحتل. اما الاجراءات التعسفية العنيفة التي تقوم بها القوات الالمانية الغازية لفرض سيطرتها على الاراضي الفرنسية واخضاع الشعب الفرنسي اعمال ارهابية. اما من وجهة نظر المحتل الالماني فان مايقومون به اعمال انتقامية ضد الارهابيين الفرنسين. لذلك يقول مناحيم بيغن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ورئيس منظمة الارغون ان هذه المنظمة لم تكن ارهابية بل مقاومة للارهاب. والارهابيون في نظره هم الانجليز الذين احتلوا فلسطين. ولا يختلف الامر عما يفعله الاسرائيليون الآن فغاراتهم على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والقصف المستمر لجنوب لبنان هي في نظرهم اعمال انتقامية واجراءات وقائية ضد الفلسطينيين (العكرة،المصدر السابق).
ماتجب الاشارة اليه هو ان مشروعية المقاومة والكفاح المسلح من اجل تقرير المصير والاستقلال حق اقره المجتمع الدولي وتضمنه القانون الدولي في كثير من ثناياه ومنها ميثاق و قرارات الامم المتحدة التالية:
1. نصت الفقرة الثانية من المادة الاولى من ميثاق الامم المتحدة على هذا الحق فقالت (انماء العلاقات الودية بين الامم على اساس احترام المبدء الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقريرمصيرها. وكذلك اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام).
كما اكدت المادة 55 من الميثاق (المبدء الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها).
2. اتخذت الجمعية العامة للامم المتحدة بدورتها 15 قرارا برقم 1514لسنة 1960المتضمن ما يلي (1- ان اخضاع الشعوب لأستعباد الاجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل انكارا لحقوق الانسان الاساسية. ويناقض ميثاق الامم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين. 2- لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق ان تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية الى تحقيق انمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي).
وذهب القرار المذكور الى ابعد من ذلك فأعتبر نقص الاستعداد السياسي او الاقتصادي او غيره من الاستعدادات ينبغي الا تتخذ ذريعة لتأخير الاستقلال. وشدد على وضع حد للاعمال المسلحة والتدابير القمعية المتخذة ضد الشعوب غير المستقلة وتمكينها من نيل استقلالها واحترام سلامة اراضيها. وأقر مبدء عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، واحترام حقوق السيادة لجميع الشعوب. لأن مثل هذا التدخل هو الدافع لقيام اعمال المقاومة المسلحة للدفاع عن السيادة والستقلال

COMMENTS

الاسم

التحفيظ العقاري,1,التنظيم القضائي,1,الحقوق العينية,3,القانون الاداري,1,القانون الجنائي,1,القانون العام,1,الوظيفة العمومية,4,سلك الاجازة والاجازة المهنية و الماستر,2,صياغة العقود,1,قانون التجاري,3,قانون الدولي,1,قانون الدولي العام,1,قانون المدني,1,قانون خاص,2,قوانين المهن القضائية,2,مباريات وزارة الداخلية,4,مباريات وزارة العدل,1,مباريات وزارة المالية,1,مدونة الاسرة,10,
rtl
item
ثقف نفسك قانونيا: • الاتفاقية الدولية وقانون الدولي لمكافحة الارهاب
• الاتفاقية الدولية وقانون الدولي لمكافحة الارهاب
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj2_CVC0mQN9hobSOU7PZVqnkpltEo5jvXLLk2r1kIM7C1kSfEpMh9hqciTcf3ZEGdX15V2GYtLgJV8_yJQW51iRkeLEvM2j1LzG7tbniXBDKAa6CrA_G7YLhCvwwoeTIDNYAL1KGVclRs/s320/Professional+Image+Designer1542804613961.png
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj2_CVC0mQN9hobSOU7PZVqnkpltEo5jvXLLk2r1kIM7C1kSfEpMh9hqciTcf3ZEGdX15V2GYtLgJV8_yJQW51iRkeLEvM2j1LzG7tbniXBDKAa6CrA_G7YLhCvwwoeTIDNYAL1KGVclRs/s72-c/Professional+Image+Designer1542804613961.png
ثقف نفسك قانونيا
https://takifnafsk12.blogspot.com/2018/11/blog-post_21.html
https://takifnafsk12.blogspot.com/
http://takifnafsk12.blogspot.com/
http://takifnafsk12.blogspot.com/2018/11/blog-post_21.html
true
8920938125530615815
UTF-8
تحميل جميع المشاركات لم يتم العثور على أي مشاركات إظهار الكل إقرأ المزيد رد إلغاء الرد خذف بواسطة الرئيسية الصفحات منشور إظهار الكل منشورات قد تعجبك القسم الإرشيف بحث كل المنشورات لم يتم العثور على أي مشاركة تطابق مع طلبك الرجوع الى الرئيسية الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت يناير فبراير مارس أبريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر أكتوبر نونبر دجنبر يناير فبراير مارس أبريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر أكتوبر نونبر دجنبر الأن مند دقيقة مند $$1$$ دقيقة مند ساعة مند $1$$ ساعة البارح مند $$1$$ يوم مند $$1$$ أسبوع أكثر من 5 أسابيع المتابعين متابع هذا المنشور مغلق قم بالمشاركة لإظهار هذا المحتوى نسخ الكود كاملا حدد الكود كاملا تم نسخ جميع الرموز Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy